يعكس هذا الكتاب نظرة رجل دولة عربي، يعتدّ بعروبته وعثمانيته وولائه للخلافة الإسلامية، في الصهيونية قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى وقضائها على النظام الدولي الأوروبي القائم قبلها، بما في ذلك الدولة العثمانية ذاتها، وبروز الولايات المتحدة الأميركية كلاعب جبار في النظام الجديد الذي انبثق من الحرب.
أدرك الخالدي مدى النشاط الصهيوني في فلسطين وتنوعه، بل كان أول مَن قام برصده منهجياً، وأدرك كذلك مدى فساد الأجهزة التنفيذية المحلية وتواطئها مع سماسرة الصهيونية في التحايل على سياسة الدولة المعلنة للحد من الهجرة اليهودية وانتقال الأرض العربية إلى أيديهم، وعزم على فضح هذا كله.
ومع إدراك الخالدي لهذه السلبيات رأى في استعادة الدستور العثماني سنة 1908 بداية عهد عثماني جديد قادر على التصدي لهذه التحديات. كما اعتبر استقبال الولايات المتحدة للملايين من يهود روسيا القيصرية، وإيثارهم الجماعي للهجرة إليها على هجرتهم إلى فلسطين، المؤشر الأكبر إلى إمكان حصر الصهيونية في فلسطين ضمن حدود تحول دون استطراد تقدمها.
لم يكن في حسبان صاحبنا أن يعلن بعض العرب الجهاد ضد خليفتهم، وأن تتكالب كل من بريطانيا وروسيا وفرنسا على الديار العربية والأناضولية غنيمة حرب وأنفالاً، وأن تغلق الولايات المتحدة الأميركية أبواب الهجرة الجماعية إليها إغلاقاً محكماً، وتتواطأ مع الأنغلوسكسونية البروتستانتية على تجذير براثن الصهيونية في فلسطين باسم الإنسانية رياء ونفاقاً.