القرار 194 لم ينشئ حق العودة بل جاء ليؤكده فقط وهناك قرارات أقوى بكثير من الناحية القانونية لكن العبرة في التنفيذ
مجلة العودة - لندن - العدد 1
تشرين الأول2007
أصبح القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 10\12\1948، من اشهر القرارات الدولية. ورغم ان القوة القانونية لهذا القرار ليست الا أدبية في معناها القانوني، الا ان التأكيد عليه كل عام في الجمعية العامة اعطاه هذا البعد. وحق العودة حق طبيعي للانسان، بمعنى انه لصيق به لا يحتاج الى من ينشؤه. وقد جاء القرار 194 ليؤكد هذا الحق. وقد كان حق العودة انسانيا قبل صدور القرار وبعده، وهو من المعايير العرفية الملزمة في القانون الدولي. ويعرف الدكتور محمد المجذوب الخبير في القانون الدولي حق العودة بما يلي: " هو حق كل فرد أو أفراد ، وذرياتهم، في العودة الى الاماكن التي كانوا يقيمون فيها والتي أكرهوا على مغادرتها. وحقهم في استرداد ممتلكاتهم التي تركوها أو فقدوها، او في الحصول على تعويضات عنها. وحقهم في الحصول على تعويضات عن المعاناة والالام النفسية التي كابدوها".
ان القرارات والمواثيق والاتفاقيات الدولية كرست حق العودة. ومن بداهة القول ان هناك قرارات أقوى بكثير من القرار 194.
الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الجمعية العامة للامم المتحدة في 10\12\1948 ينص في المادة الـ13 منه: "حق كل انسان في مغادرة أي بلد بما في ذلك بدله، وفي العودة الى بلده". وحق المغادرة والعودة يعني حكما الحق في الاقامة في البلد. كم ان المادة 17 منه تنص في الفقرة الثانية: " لا يجوز تجريد احد من ملكه تعسفا". والذي يلاحظ في المواد هذه ان نظرة الاعلان العالمي لحقوق الانسان الى الانسان كونه انسانا وليس لانه يحمل جنسية كذا او كذا.
ايضا اتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين زمن الحرب لعام 12 آب 1949 تعتبر احكامها آمرة حتى لو لم توقع عليها دولة ما، مع العلم ان اسرائيل وقعت عليها. وتنص المادة 49 منها: "يحظر النقل الجبري، الجماعي او الفردي للاشخاص المحميين، كما يحظر نفيهم من الاراضي المحتلة الى أراضي دولة احتلال أو أراضي أية دولة اخرى محتلة كانت أم غير محتلة، أيا تكن الدواعي"
كما ان العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسايسية الصادر في 19\12\1965، يعتبر ايضا ملزما لاسرائيل التي صادقت عليه بعد ربع قرن اي في 3\10\1991. ويعتبر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الميثاق التفصيلي للاعلان العالمي لحقوق الانسان. تنص المادة الثانية عشر الفقرة الرابعة: "لايجوز منع أحد، بصورة تعسفية، من حقه في الدخول الى بلده ". ورغم ان اسرائيل تحاول التهرب من الاتفاقيات الدولية الا ان الفقهاء في القانون الدولي دحضوا كل الحجج التي تسوقها اسرائيل. فإسرائيل مثلا تقول ان عدم الالتزام بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية يعود الى عدم رجعية المعاهدات كون اسرائيل صادقت على العهد بعد ربع قرن من صدوره. إن وجود اللاجئين خارج وطنهم يعني بشكل واضح ان الاثار المترتبة على جريمة الابعاد لم تنته وبالتالي فإن احكام العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وغيرها تبقى سارية.
كما ان القرار 242 الصادر عن مجلس الامن في 22\11\1967 والذي أكد "ضرورة تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين، وذلك بعد احتلال كامل الارض الفلسطينية وتهجير أكثر من 1.5 مليون فلسطيني الى خارج الوطن. ومع ان القرار صادر عن مجلس الامن مما يعني انه يعني يحمل قوة قانونية عالية، ومع ان الحل العادل لمشكلة اللاجئين قد يتعارض مع حق العودة الطبيعي، رغم كل ذلك، الا ان اسرائيل لم تحترم هذا القرار ايضا.
اما القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة فهو يحمل صفة أدبية تحولت مع مرور السنين الى قوة مستمدة من إرادة المجمتع الدولي ( كون الجمعية العامة تمثل جميع اعضاء الامم المتحدة، عكس مجلس الامن الذي يضم عددا محدودا منها).
ان الاهمية السياسية والقانونية للقرار 194 مرتبط بوجود دولة اسرائيل ومدى شرعيتها. فالامم المتحدة اشترطت لقبول اسرائيل دولة عضو في الامم المتحدة هو سماحها بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى مدنهم وقراهم التي اخرجوا منها بالقوة. في 11\5\1949 ناقشت الجمعة العامة التوصة الصادرة عن مجلس الامن بقبول اسرائيل في عضوية الامم المتحدة، ووافقت عليها بأغلبية 37 ضد 12 وامتناع 9 ( وكانت الجمعية العامة مكونة آنذاك من 58 عضوا).
وعلى مدار سنين طويلة، لم تلتزم اسرائيل بشرط عودة اللاجئين الفلسطينيين مما يعني ان عضويتها في الامم المتحدة غير قانوني. لكن تسييس عمل الامم المتحدة جعل من اسرائيل عضوا طبيعيا في الجمعية العامة. ومما يؤسف له فعلا، ان الدول العربية او الاسلامية لم تثر يوما شرعية دولة اسرائيل بل تسعى بعض الدول العربية والاسلامية لاقامة علاقات دبلوماسية معها.
اذن الاعلان العالمي لحقوق الانسان واتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب ثم العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ثم قرارات صادرة عن مجلس ا لامن، كل هذه تعتبر اقوى بكثير من القرار 194 من الناحية القانونية. لكن العبرة دائما في التنفيذ. وما دامت العلاقات الدولية لا تخضع لمبدأ العدالة الانسانية وانما لموازين القوى فإن حقوق الشعوب تبقى في مهب الريح. وجميع هذه الاتفاقيات او القرارات انما جاءت لتؤكد حق العود وتكرسه لا لكي توجده.
وعودة الى القرار ذات الشهرة العالمية القرار 194 لعام 1948، فإن قراءة متأنية فيه يخلص الباحث الى ما يلي:
-
اول اعتراف صريح وواضح من الامم المتحدة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى قراهم ومدنهم والحصول على التعويضات المناسبة. وهو يحدد المكان الذي يحق للاجئين العودة اليه وهو ديارهم وبيوتهم وليس الى دولة جديدة او مكان آخر. وقد حدد القرار الاطار الزمني للتطبيق وهو أقرب وقت ممكن. وقد تذرعت اسرائيل بالقول ان توقيع اتفاقية سلام مع الجانب الفلسطيني بخصوص مختلف القضايا بما فيها قضية اللاجئين هو الوقت الممكن الذي لم يحن بعد. ومن غرابة الامور ان الوقت المناسب لم يعثر عليه طيلة نصف قرن. وربما لا يجد الجانب الاسرائيلي وقتا مناسبا ابدا.
-
ربط القرار 194 العودة بالقرار الشخصي لكل فلسطيني لاجئ بحيث يكون القرار بحرية تامة دون إغراء او إكراه او تدخل. وهو ما يعني ان المفاوضات السياسية اذا ما ما أريد لها ان تكون عادلة وناجحة فيما خص حق العودة هي ان تسأل كل فلسطيني على حدة في كل مكان من دون إكراه او تدخل عن رغبته في العودة الى دياره وممتلكاته. طبعا المفاوضون لا يرغبون بهذا الاجراء. وانما يرغبون بإجراء صفقة.
-
القرار 194 اكد على عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم دون قيد او شرط كونه حقا انسانيا وسياسيا. وكل الذرائع التي تسوقها اسرائيل بهذا الخصوص باطلة قانونيا: مثل تحديد عددهم، والمكان الذي سيعيشون فيه، والوقت المناسب الذي تراه اسرائيل لعودة من ترغب بعودتهم.
في المقابل يرى العديد من فقهاء القانون ان تطبيق القرار 194 كما هو يعني القبول الاعتراف رسميا بدولة اسرائيل التي لم تكن موجودة قبل العام 1948 وهو بمثابة شهادة ميلاد لولد لقيط عمره 58 عاما. وهذه العودة اذا ما تمت فإن مشاكل عديدة سوف تنشأ بين الفلسطينيين والاسرائيليين: مشاكل قانونية وسياسية وأمنية. والسؤال الاكبر من هذا وذاك، هل ثمة امكانية لمعاقبة قادة اسرائيليين على جريمة الابعاد القسري، وعلى استغلال الارض لعقود طويلة من دون اذن من اصحابها. بيد ان اصحاب النظرية الواقعية والمدافعين بقوة عن القرار 194 يقولون بأن عودة اكثر من 6 مليون لاجئ يعني حكما زوال دولة اسرائيل وبالتالي فإن التأكيد على تنفيذ حق العودة وفق القرار 194 يندرج في التحليل الاخير في هذا الاتجاه.
خلاصة القول ان حق العودة يحتاج الى قوة تحميه، والقوة القانونية مهمة جدا كونها تضع الاطار الواضح للحقوق والواحبات. والقرارات والعهود والاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق الانسان تعتبر مصدر قوة اذا ما احسن استخدامها وتوظيفها في دعم هذا الحق. وجميع القرارات الدولية تؤكد على حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم وممتلكاتهم كحق انساني متجرد. اما القرار 194 ورغم انه توصية صادرة من الجمعية العامة لمجلس الامن بهدف التنفيذ فإنه ليس للاستفتاء عليه كل عام. حتى لو صدر قرار من مجلس الامن تحت البند السابع يلزم فيه اسرائيل بعودة اللاجئين الفلسطينيين والتعويض عليهم وبشرح بشكل مفصل ما شرحه القرار 194، حتى لو تم ذلك (وهو مستبعد في ظل موازين القوى الدولية والاقليمية ) فإن العبرة في التنفيذ. والاخطر من هذا وذاك ان تجد من يساوم على حق العودة تحت راية المفاوضات باستخدام كلمات فضفاضة مثل الحل العادل. الحق يبقى قويا ما دام اصحابه يعتقدون بذلك، وما ضاع حق وراءه مطالب.