إن كلمة أبارتايد كلمة أفريكانية تعني "التنمية المنفصلة"، أو "الانفصال" أو "كينونة العزل". وقد شهدت هذه اللفظة أول استخدام مُسجَّل لها في عام 1929. واستُخدمت لاحقًا لوصف المنظومة المُمَأسَسَة المتمثلة في الفصل بين الناس على أساس العرق في جنوب إفريقيا وجنوب غرب إفريقيا (ناميبيا حاليًا) من عام 1948 وحتى أوائل تسعينيات القرن العشرين. قامت تلك المنظومة على أساس تفوق العرق الأبيض أو الباسكاب (baasskap)، والذي على أساسه أقرَّت جنوب إفريقيا تدابير تشريعية تُتيح للأقلية البيضاء الهيمنة على شعب جنوب إفريقيا سياسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا.
يظهر أكثر تعريفات الفصل العنصري تفصيلًا في القانون الدولي في المادة الثانية من الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري (الأبارتايد) والمعاقبة عليها (1973):
... المادة الثانية: تنطبق عبارة "جريمة الفصل العنصري"، التي تشمل سياسات وممارسات العزل والتمييز العنصريين المشابهة لتلك التي تمارس في الجنوب الأفريقي، على الأفعال اللاإنسانية ... المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية ما من البشر على أية فئة عنصرية أخرى من البشر واضطهادها إياها بصورة منهجية
وتورِد الاتفاقية بعد ذلك عدة أمثلة تُبيِّن "الأفعال اللاإنسانية" هذه، بما في ذلك الحرمان من الحق في حرية التنقل والإقامة والعمل، والاحتجاز غير القانوني، وفصل الناس ضمن محميات عنصرية أو غيتوهات، وحظر الزواج المختلط وحظر مقاومة منظومة الفصل العنصري (الأبارتايد) نفسها.
ويُعرّف نظامُ روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (2002) جريمة الفصل العنصري (الأبارتايد) بأنها " أية أفعال لا إنسانية... تُرتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وتُرتكب بنيّة الإبقاء على ذلك النظام
إن الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري (الأبارتايد) والمعاقبة عليها (1973)، أو اتفاقية الفصل العنصري (الأبارتايد)، هي الصَّك القانوني الرئيس الذي يُعرّف جريمة الفصل العنصري (الأبارتايد) ويوضح كذلك مسؤولية الدول والمجتمع الدولي والتزاماتهما بمكافحتها. وتُصنَّف بأنها جريمة ضد الإنسانية في المادتين الأولى والثانية من هذه الاتفاقية. وقد أصبحت هذه الجريمة قانونًا عرفيًا، تلتزم بموجبه جميع حكومات الدول، بصرف النظر عما إذا كانت طرفًا في الاتفاقية أم لا، بمعارضتها والعمل بشكل فردي وجماعي لوضع حدٍّ لها.
كما يمكن العثور على أوجه الحظر العام للتمييز العنصري والذي يشتمل على جريمة الفصل العنصري في وثائق أقدم عهدًا كميثاق الأمم المتحدة (1945)، وتحديدًا في المادتين 55 و 56 منه ، والتي تُلزم الدولَ بـاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدِّين، وتعزيزها واتخاذ إجراءات لتحقيقها. وتنص المادة 2 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) على أن: "لكلِّ إنسان حقُّ التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر". وتحظر الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965) الفصلَ العنصري بوضوح في المادة 3، حيث تنص على أن "تشجب الدول الأطراف بصفة خاصة العزل العنصري والفصل العنصري، وتتعهد بمنع وحظر واستئصال كل الممارسات المماثلة في الأقاليم الخاضعة لولايتها".
كانت المرة الأولى التي صنّفت فيها جريمة الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية عام 1966، وذلك من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة (القرار رقم (2202 A (XXI))). كما عَرّف البروتوكولُ الأول لاتفاقية جنيف لعام 1949 (1977) الفصلَ العنصري (الأبارتايد) بأنه جريمة حرب، وأكد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرأي نفسه في عام 1984. ويُدرج نظامُ روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (2002)، أو نظام روما الأساسي، الفصلَ العنصري (الأبارتايد) بوصفه جريمةً ضد الإنسانية في المادة (7 (1)(j))، ويضع هذه الجريمة والتحقيق فيها ومحاكمتها المحتملة تحت سلطة هذه المحكمة.
وقد اعتمدت الأممُ المتحدة اتفاقية الفصل العنصري (الأبارتايد) بأغلبية 107 أصوات، في حين أن عدد الدول التي أصبحت طرفًا في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، 177 دولة. وصادقت 124 دولة على نظام روما الأساسي. وتجدر الإشارة هنا إلى أن حظر الفصل العنصري (الأبارتايد) يُعتبر اليوم قانونًا عُرفيًا مُلزمًا لجميع الدول سواء كانت مُوقّعة على الصكوك القانونية ذات الصلة أم لا.
لا، لم يعد كذلك. فقد ارتبط مصطلح "الفصل العنصري (الأبارتايد)" في الأصل بنظام الحكم العنصري في جنوب إفريقيا (وامتداده إلى جنوب غرب إفريقيا، ناميبيا الآن) ولكن جرى تطوير هذا المصطلح في اتفاقية الفصل العنصري (الأبارتايد) ليمثل جريمة ضد الإنسانية ذات تطبيق عالمي. كما أنّ البروتوكول الإضافي الأول الملحق باتفاقيات جنيف (1977) اعتبر الفصلَ العنصري (الأبارتايد) "انتهاكًا جسيمًا" من دون تحديده بموقع جغرافي معيّن، في حين أدرج نظامُ روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (2002) "جريمة الفصل العنصري (الأبارتايد)" بوصفها جريمة ضد الإنسانية بعد سنوات من نهاية الفصل العنصري (الأبارتايد) في جنوب إفريقيا، وكلها تنفي حصر تعريف الأبارتايد بجنوب إفريقيا. وبناء على ذلك، يُعتبر الفصل العنصري (الأبارتايد) نوعًا من الجرائم ضد الإنسانية بموجب كلٍّ من القانون الدولي العرفي ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وهو تعبير عن السياسات والممارسات التمييزية والاستغلالية المنهجية القائمة على أساس العرق أو الإثنية (بما هي مختلفة عن الهياكل المجتمعية الاستغلالية المماثلة والقائمة على أساس الطبقة والدين والجنس).
واليوم، هناك توافق بين الخبراء على أن الفصلَ العنصري (الأبارتايد) مفهومٌ عالميٌ قابل للتطبيق خارج جنوب إفريقيا وجنوب غرب إفريقيا (ناميبيا)، فضلًا عن أنه منصوص عليه في القانون الجنائي الدولي الملزم لجميع الدول. ويُعتبر حظر الفصل العنصري (الأبارتايد) قانونًا عرفيًا بالفعل، يضاهي الحظر العالمي للرّقّ.
سنّت السلطات في جنوب إفريقيا العديد من القوانين لإنفاذ التمييز العنصري والفصل العنصري وإدامتهما. وكان من بين قوانين الفصل العنصري (الأبارتايد) المبكرة قانون حظر الزواج المختلط (1949)، والقانون المعدِّل لقانون الرذيلة (1950) الذي جعل من غير القانوني لمواطني جنوب إفريقيا الزواج أو مواصلة العلاقات الجنسية مع أفراد من عرق آخر. وهنالك قانون تسجيل السكان (1950) الذي صنَّف الجنوب إفريقيين إلى "بِيض"، و"هنود"، و"ملونين"، و"سود" على أساس العرق والمظهر والنَّسب، وغيرها- مع تمتع البيض بوضع مهيمن في جميع السياقات المتعلقة بالسلوك المنظّم بالقانون. أما أماكن الإقامة المسموح بها قانونًا فكانت تحدّدها تلك التصنيفات العرقية والتي أخرِجَ على أساسها 3.5 مليون إفريقي أسود بالقوة من منازلهم، ونقلوا إلى بانتوستانات للسكان الأصليين المفصولين وحدهم.
يتميز الفصل العنصري (الأبارتايد) عن أشكال أخرى من التمييز العنصري، المحظورة مسبقًا بموجب صكوك من قبيل الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، بطبيعته كنظام حكم شامل يقوم على الفصل ويتّسم بفرض قيود توقع الأذى بعرق أو إثنيَّة تُعتبر أقلّ شأنًا. ويشير نظام روما الأساسي صراحة إلى الفصل العنصري (الأبارتايد) بوصفه نظام حكم. ففي العلوم السياسية، يتمثل نظام حكم الدولة في مجموعة المؤسسات التي تُحكَم الدولة من خلالها، وبشكل أساسي فيما يتعلق بترتيباتها الرسمية الهادفة إلى البتّ في شأن الوصول إلى السلطة.
يُعرَّف التمييز العنصري في المادة 2 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965) بأنه "أيّ تمييز أو إقصاء أو تقييد أو تفضيل قائم على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني". وقد التزم الموقعون على هذه الاتفاقية بالوفاء بالتزاماتهم الأساسية المتمثلة في حظر التمييز العنصري والقضاء عليه وضمان مواءمة جميع القوانين والسياسات الرسمية مع هذا الالتزام. يُفترض أن أي عمل من أعمال التمييز العنصري يقع في دولة طرف، إنما يُرتكب على نحو ينتهك القانون، وينبغي بالتالي أن تتصدى له السلطات المختصة في تلك الدولة. ولا يتمثل دور المجتمع الدولي في معاقبة تلك الدولة التي تعتبر بريئة، بل يتمثل في توجيه عنايتها إلى تلك الأعمال من خلال لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
من ناحية أخرى، فإن الفصل العنصري (الأبارتايد) هو أكثر أشكال التمييز العنصري تطرفًا ومنهجية وهو الآن جريمة ضد الإنسانية. وهي مُعرّفة في المادة الثانية من اتفاقية الفصل العنصري (الأبارتايد) بأنها هيكل أو منظومة للهيمنة العرقية المتعمَّدة والمستندة إلى "الأفعال اللاإنسانية" بغية إدامة السيطرة التمييزية (كما هو موضح آنفًا). ويُرتكب التمييز العنصري والفصل العنصري في نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) الحاكم تنفيذًا لقوانين الدولة وسياساتها، لا انتهاكًا لها. وهي ليست مجموعة من الأعمال العشوائية أو المعزولة التي ترتكبها عناصر مارقة في الدولة. وإنما ترتكبها الدولة نفسها ومؤسساتها. وعليه، لا يمكن أن تُعهد مكافحة الفصل العنصري بشكل موثوق به إلى الحكومة التي أنشأت نظام الحكم ذاك، بل تصبح بالأحرى مسؤولية المجتمع الدولي، المكلّف قانونًا باتخاذ جميع التدابير اللازمة لقمع جريمة الفصل العنصري (الأبارتايد) ومنعها، فضلًا عن ملاحقة المذنبين بارتكابها ومعاقبتهم.
وفقًا للمادة الثالثة من اتفاقية الفصل العنصري (الأبارتايد)، يقع على كاهل المجتمع الدولي، وبخاصة الأمم المتحدة ووكالاتها، والدول الأعضاء، التزام قانوني بالعمل ضمن حدود قدراتها على منع ومعاقبة حالات الفصل العنصري (الأبارتايد) التي تُلفت عنايتها إليها بشكل مسؤول. وبما أن حظر جريمة الفصل العنصري معترف به الآن كقانون عرفيّ، فإن الالتزام بمعارضة هذه الجريمة ينطبق على جميع الدول بغض النظر عما إذا كانت أطرافًا في اتفاقية الفصل العنصري (الأبارتايد) أو نظام روما الأساسي. وبشكل أكثر تحديدًا، يقع على الدول واجب جماعي: أ) عدم الاعتراف بشرعية أي نظام فصل عنصري؛ ب) عدم تقديم عون لدولة يساعدها على إدامة نظام الفصل العنصري (الأبارتايد)؛ ج) التعاون مع الأمم المتحدة والدول الأخرى للقضاء على أنظمة الفصل العنصري (الأبارتايد). كما يقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني والأفراد واجب أخلاقي وسياسي يتمثل في استخدام الأدوات الموجودة تحت تصرفهم لرفع مستوى الوعي إزاء أنظمة الفصل العنصري (الأبارتايد)، وممارسة الضغط الذي يؤدي إلى تفكيك هياكل الفصل العنصري (الأبارتايد) وذلك تماشيًا مع القانون الدولي.